كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال تعالى: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم} [الحجرات: 10] وقال: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46] وقال: {وتعاونوا على البر والتقوى} [المائدة: 2] وقال: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104] إلى غير ذلك من الآيات الأمرة ببناء المجتمع الإسلامي على الاتفاق والاتحاد في حيازة منافعها ومزاياها المعنوية والمادية والدفاع عنه على ما سنوضحه بعض الأيضاح.
4- اعتبار الإسلام رابطة الفرد والمجتمع الصنع والإيجاد يجعل أولا أجزاءا ابتدائية لها آثار وخواص ثم يركبها ويؤلف بينها على ما فيها من جهات البينونة فيستفيد منها فوائد جديدة مضافة إلى ما للأجزاء من الفوائد المشهودة فالإنسان مثلا له أجزاء وأبعاض وأعضاء وقوى لها فوائد متفرقة مادية وروحية ربما ائتلفت فقويت وعظمت كثقل كل واحد من الأجزاء وثقل المجموع والتمكن والانصراف من جهة إلى جهة وغير ذلك وربما لم تأتلف وبقيت على حال التبائن والتفرق كالسمع والبصر والذوق والأرادة والحركة إلا أنها جميعا من جهة الوحدة في التركيب تحت سيطرة الواحد الحادث الذي هو الإنسان وعند ذلك يوجد من الفوائد ما لا يوجد عند كل واحد من أجزائه وهي فوائد جمة من قبيل الفعل والانفعال والفوائد الروحية والمادية ومن فوائده حصول كثرة عجيبة في تلك الفوائد في عين الوحدة فإن المادة الإنسانية كالنطفة مثلا إذا استكملت نشأتها قدرت على إفراز شيء من المادة من نفسها وتربيتها إنسانا تاما آخر يفعل نظائر ما كان يفعله أصله ومحتده من الأفعال المادية والروحية فأفراد الإنسان على كثرتها إنسان وهو واحد وأفعالها كثيرة عددا واحدة نوعا وهي تجتمع وتأتلف بمنزلة الماء يقسم إلى آنية فهى مياه كثيرة ذو نوع واحد وهي ذات خواص كثيرة نوعها واحد وكلما جمعت المياه في مكان واحد قويت الخاصة وعظم الأثر.
وقد اعتبر الإسلام في تربية أفراد هذا النوع وهدايتها إلى سعادتها الحقيقية هذا المعنى الحقيقي فيها ولا مناص من اعتباره قال تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا} [الفرقان- 54] وقال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات- 13] وقال: {بعضكم من بعض} [آل عمران- 195].
وهذه الرابطة الحقيقية بين الشخص والمجتمع لا محالة تؤدى إلى كينونة أخرى في المجتمع حسب ما يمده الأشخاص من وجودهم وقواهم وخواصهم وآثارهم فيتكون في المجتمع سنخ ما للفرد من الوجود وخواص الوجود وهو ظاهر مشهود ولذلك اعتبر القرآن للأمة وجودا وأجلا وكتابا وشعورا وفهما وعملا وطاعة ومعصية فقال: {ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} [الأعراف- 34].
وقال: {كل أمة تدعى إلى كتابها} [الجاثية- 28].
وقال: {زينا لكل أمة عملهم} [الأنعام- 108].
وقال: {منهم أمة مقتصدة} [المائدة- 66].
وقال: {أمة قائمة يتلون آيات الله} [آل عمران- 113] وقال: {وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب} [غافر- 5].
وقال: {ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط} [يونس- 47].
ومن هنا ما نرى أن القرآن يعتنى بتواريخ الأمم كاعتنائه بقصص الأشخاص بل أكثر حينما لم يتداول في التواريخ إلا ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء ولم يشتغل المؤرخون بتواريخ الأمم والمجتمعات إلا بعد نزول القرآن فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم كالمسعودي وابن خلدون حتى ظهر التحول الأخير في التاريخ النقلي بتبديل الأشخاص أمما وأول من سنه على ما يقال اغوست كنت الفرنسي المتوفى سنة 1857 ميلادية.
وبالجملة لازم ذلك على ما مرت الإشارة إليه تكون قوى وخواص اجتماعية قوية تقهر القوى والخواص الفردية عند التعارض والتضاد على أن الحس والتجربة يشهدان بذلك في القوى والخواص الفاعلة والمنفعلة معا فهمة الجماعة وإرادتها في أمر كما في موارد الغوغاءات وفي الهجمات الاجتماعية لا تقوم لها إرادة معارضة ولا مضادة من واحد من أشخاصها وأجزائها فلا مفر للجزء من أن يتبع كله ويجري على ما يجري عليه حتى أنه يسلب الشعور والفكر من أفراده وأجزائه وكذا الخوف العام والدهشة العامة كما في موارد الانهزام وانسلاب الأمن والزلزلة والقحط والوباء أو ما هو دونها كالرسومات المتعارفة والأزياء القومية ونحوهما تضطر الفرد على الاتباع وتسلب عنه قوة الإدراك والفكر.
وهذا هو الملاك في اهتمام الإسلام بشأن الاجتماع ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد ما يماثله في واحد من الأديان الأخر ولا في سنن الملل المتمدنة ولعلك لا تكاد تصدق ذلك فإن تربية الأخلاق والغرائز في الفرد وهو الأصل في وجود المجتمع لا تكاد تنجح مع كينونة الأخلاق والغرائز المعارضة والمضادة القوية القاهرة في المجتمع إلا يسيرا لا قدر له عند القياس والتقدير.
فوضع أهم أحكامه وشرائعه كالحج والصلاة والجهاد والإنفاق وبالجملة التقوى الديني على أساس الاجتماع وحافظ على ذلك مضافا إلى قوى الحكومة الإسلامية الحافظة لشعائر الدين العامة وحدودها ومضافا إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العامة لجميع الأمة بجعل غرض المجتمع الإسلامى- وكل مجتمع لا يستغني عن غرض مشترك- هي السعادة الحقيقية والقرب والمنزلة عند الله وهذا رقيب باطني لا يخفى عليه ما في سريرة الإنسان وسره- فضلا عما في ظاهره- وإن خفي على طائفة الدعاة وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا هو الذي ذكرنا أن الإسلام تفوق سنة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السنن والطرائق.
5- هل تقبل سنة الإسلام الاجتماعية الإجراء والبقاء؟ ولعلك تقول لو كان ما ذكر من كون نظر الإسلام في تكوين المجتمع الصالح أرقي بناءا وأتقن أساسا حتى من المجتمعات التي كونتها الملل المتمدنة المترقية حقا فما باله لم يقبل الإجراء إلا برهة يسيرة ثم لم يملك نفسه دون أن تبدل قيصرية وكسروية؟ وتحول إمبراطورية أفجع وأشنع أعمالا مما كان قبله بخلاف المدنية الغربية التي تستديم البقاء.
وهذا هو الدليل على كون مدنيتهم أرقي وسنتهم في الاجتماع أتقن وأشد استحكاما وقد وضعوا سنتهم الاجتماعية وقوانينهم الدائرة على أساس إرادة الأمة واقتراح الطباع والميول ثم اعتبروا فيها إرادة الأكثر واقتراحهم لاستحالة اجتماع الكل بحسب العادة إرادة وغلبة الأكثر سنة جارية في الطبيعة مشهودة فإنا نجد كلا من العلل المادية والأسباب الطبيعية مؤثرة على الأكثر لا على الدوام وكذا العوامل المختلفة المتنازعة إنما يؤثر منها الأكثر دون الكل ودون الأقل فمن الحرى أن يبنى هيكل الاجتماع بحسب الغرض وبحسب السنن والقوانين الجارية فيه على إرادة الأكثر وأما فرضية الدين فليست في الدنيا الحاضرة إلا أمنية لا تتجاوز مرحلة الفرض ومثالا عقليا غير جائز النيل.
وقد ضمنت المدنية الحاضرة فيما ظهرت فيه من الممالك قوة المجتمع وسعادتها وتهذب الأفراد وطهارتهم من الرذائل وهي الأمور التي لا يرتضيها المجتمع كالكذب والخيانة والظلم والجفاء والجفاف ونحو ذلك.
وهذا الذي أوردناه محصل ما يختلج في صدور جمع من باحثينا معاشر الشرقيين وخاصة المحصلين من فضلائنا المتفكرين في المباحث الاجتماعية والنفسية غير أنهم وردوا هذا البحث من غير مورده فاختلط عليهم حق النظر ولتوضيح ذلك نقول:
أما قولهم إن السنة الاجتماعية الإسلامية غير قابلة الجريان في الدنيا على خلاف سنن المدنية الحاضرة في جو الشرائط الموجودة ومعناه أن الأوضاع الحاضرة في الدنيا لا تلائم الأحكام المشرعة في الإسلام فهو مسلم لكنه لا ينتج شيئا فإن جميع السنن الدائرة في الجامعة الإنسانية إنما حدثت بعد ما لم تكن وظهرت في حين لم تكن عامة الأوضاع والشرائط الموجودة إلا مناقضة له طاردة إياه فانتهضت ونازعت السنن السابقة المستمرة المتعرقة وربما اضطهدت وانهزمت في أول نهضتها ثم عادت ثانيا وثالثا حتى غلبت وتمكنت وملكت سيطرتها وربما بادت وانقرضت إذ لم يساعدها العوامل والشرائط بعد والتاريخ يشهد بذلك في جميع السنن الدينية والدنيوية حتى في مثل الديموقراطية والاشتراك وإلى مثله يشير قوله تعالى: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} آل عمران- 137 يشير إلى أن السنة التي تصاحب تكذيب آيات الله لا تنتهي إلى عاقبة حسنة محمودة.
فمجرد عدم انطباق سنة من السنن على الوضع الإنساني الحاضر ليس يكشف عن بطلانه وفساده بل هو من جملة السنن الطبيعية الجارية في العالم لتتميم كينونة الحوادث الجديدة إثر الفعل والأنفعال وتنازع العوامل المختلفة.
والإسلام كسائر السنن من جهة النظر الطبيعي والاجتماعي وليس بمستثنى من هذه الكلية فحاله من حيث التقدم والتأخر والاستظهار بالعوامل والشرائط حال سائر السنن وليس حال الإسلام اليوم وقد تمكن في نفوس ما يزيد على أربعمائة مليون من أفراد البشر ونشب في قلوبهم بأضعف من حاله في الدنيا زمان دعوة نوح وإبراهيم ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد قامت دعوة كل منهم بنفس واحدة ولم تكن تعرف الدنيا وقتئذ غير الفساد ثم انبسطت وتعرقت وعاشت واتصل بعضها ببعض فلم ينقطع حتى اليوم.
وقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدعوة ولم يكن معه من يستظهر به يومئذ إلا رجل وامرأة ثم لم يزل يلحق بهم واحد بعد واحد واليوم يوم العسرة كل العسرة حتى أتاهم نصر الله فتشكلوا مجتمعا صالحا ذا أفراد يغلب عليهم الصلاح والتقوى ومكثوا برهة على الصلاح الاجتماعي حتى كان من أمر الفتن بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان.
وهذا الأنموذج اليسير على قصر عمره وضيق نطاقه لم يلبث حتى انبسط في أقل من نصف قرن على مشارق الأرض ومغاربها وحول التاريخ تحويلا جوهريا يشاهد آثاره الهامة إلى يومنا وستدوم ثم تدوم.
ولا يستطيع أن يستنكف الأبحاث الاجتماعية والنفسية في التاريخ النظري عن الاعتراف بأن المنشأ القريب والعامل التام للتحول المعاصر المشهود في الدنيا هو ظهور السنة الإسلامية وطلوعها ولم يهمل جل الباحثين من أوربا استيفاء البحث عن تأثيرها في جامعة الإنسان إلا لعصبية دينية أو علل سياسية وكيف يسع لباحث خبير لو أنصف النظر أن يسمي النهضة المدنية الحديثة نهضة مسيحية ويعد المسيح عليه السلام قائدها وحامل لوائها والمسيح يصرح بأنه إنما يهتم بأمر الروح ولا يشتغل بأمر الجسم ولا يتعرض لشأن الدولة والسياسة؟ وهو ذا الإسلام يدعو إلى الاجتماع والتألف ويتصرف في جميع شؤون المجتمع الإنساني وأفراده من غير استثناء فهل هذا الصفح والاغماض منهم إلا لإطفاء نور الإسلام {ويأبى الله إلا أن يتم نوره} وإخماد ناره عن القلوب بغيا وعدوا حتى يعود جنسية لا أثر لها إلا أثر الأنسال المنشعبة.
وبالجملة قد أثبت الإسلام صلوحه لهداية الناس إلى سعادتهم وطيب حياتهم وما هذا شأنه لا يسمى فرضية غير قابلة الانطباق على الحياة الإنسانية ولا مأيوسا من ولاية أمر الدنيا يوما (مع كون مقصده سعادة الإنسان الحقيقية) وقد تقدم في تفسير قوله كان الناس أمة واحدة: البقرة- 213 أن البحث العميق في أحوال الموجودات الكونية يؤدي إلى أن النوع الإنساني سيبلغ غايته وينال بغيته وهي كمال ظهور الإسلام بحقيقته في الدنيا وتوليه التام أمر المجتمع الإنساني وقد وعده الله تعالى طبق هذه النظرية في كتابه العزيز قال: {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم} [المائدة- 54].
وقال: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا} الآية [النور- 55].
وقال: {إن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء- 105] إلى غير ذلك من الآيات.
وهنا جهة أخرى أغفلها هؤلاء في بحثهم وهي أن الاجتماع الإسلامي شعاره الوحيد هو اتباع الحق في النظر والعمل والاجتماع المدني الحاضر شعاره اتباع ما يراه ويريده الأكثر وهذان الشعاران يوجبان اختلاف الغاية في المجتمع المتكون فغاية الاجتماع الإسلامي السعادة الحقيقية العقلية بمعنى أن يأخذ الإنسان بالاعتدال في مقتضيات قواه فيعطي للجسم مشتهياته مقدار ما لا يعوقه عن معرفة الله من طريق العبودية بل يكون مقدمة توصل إليها وفيه سعادة الإنسان بسعادة جميع قواه وهي الراحة الكبرى (وإن كنا لا ندركها اليوم حق الإدراك لاختلال التربية الإسلامية فينا) ولذلك وضع الإسلام قوانينه على أساس مراعاة جانب العقل المجبول على اتباع الحق وشدد في المنع عما يفسد العقل السليم وألقى ضمان إجراء الجميع من الأعمال والأخلاق والمعارف الأصلية إلى عهدة المجتمع مضافا إلى ما تحتفظ عليه الحكومة والولاية الإسلامية من إجراء السياسات والحدود وغيرها وهذا على أي حال لا يوافق طباع العامة من الناس ويدفعه هذا الأنغمار العجيب في الاهواء والاماني الذي نشاهده من كافة المترفين والمعدمين ويسلب حريتهم في الاستلذاذ والتلهي والسبعية والافتراس إلا بعد مجاهدة شديدة في نشر الدعوة وبسط التربية على حد سائر الأمور الراقية التي يحتاج الإنسان في التلبس بها إلى همة قاطعة وتدرب كاف وتحفظ على ذلك مستدام.
وأما غاية الاجتماع المدني الحاضر فهي التمتع من المادة ومن الواضح أن هذه تستتبع حياة إحساسية تتبع ما يميل إليه الطبع سواء وافق ما هو الحق عند العقل أو لم يوافق بل إنما يتبع العقل فيما لا يخالف غايته وغرضه.
ولذلك كانت القوانين تتبع في وضعها وإجرائها ما يستدعيه هوى أكثرية المجتمع وميول طباعهم وينحصر ضمان الإجراء في مواد القانون المتعلقة بالأعمال وأما الأخلاق والمعارف الأصلية فلا ضامن لاجرائها بل الناس في التلبس بها وتبعيتها وعدمه إلا أن تزاحم القانون في مسيره فتمنع حينئذ.
ولازم ذلك أن يعتاد المجتمع الذي شأنه ذلك بما يوافق هواه من رذائل الشهوة والغضب فيستحسن كثيرا مما كان يستقبحه الدين وأن يسترسل باللعب بفضائل الأخلاق والمعارف العالية مستظهرا بالحرية القانونية.
ولازم هذا اللازم أن يتحول نوع الفكرة عن المجرى العقلي إلى المجرى الإحساسي العاطفي فربما كان الفجور والفسق في مجرى العقل تقوى في مجرى الميول والاحساسات وسمي فتوة وبشرا وحسن خلق كمعظم ما يجري في أوربا بين الشبان وبين الرجال والنساء المحصنات أو الابكار وبين النساء والكلاب وبين الرجال وأولادهم ومحارمهم وما يجري في الاحتفالات ومجالس الرقص وغير ذلك مما ينقبض عن ذكره لسان المتأدب بأدب الدين.
وربما كان عاديات الطريق الديني غرائب وعجائب مضحكة عندهم وبالعكس كل ذلك لاختلاف نوع الفكرة والإدراك باختلاف الطريق ولا يستفاد في هذه السنن الاحساسية من التعقل كما عرفت إلا بمقدار ما يسوى به الطريق إلى التمتع والتلذذ فهو الغاية الوحيدة التي لا يعارضها شيء ولا يمنع منها شيء إلا في صورة المعارضة بمثلها حتى أنك تجد بين مشروعات القوانين الدائرة أمثال الأنتحار ودئل وغيرهما فللنفس ما تريده وتهويه إلا أن يزاحم ما يريده ويهواه المجتمع.
إذا تأملت هذا الاختلاف تبين لك وجه أوفقية سنة المجتمع الغربي لمذاق الجامعة البشرية دون سنة المجتمع الديني غير أنه يجب أن يتذكر أن سنة المدنية الغربية وحدها ليست هي الموافقة لطباع الناس حتى تترجح بذلك وحدها بل جميع السنن المعمولة الدائرة في الدنيا بين أهلها من أقدم أعصار الإنسانية إلى عصرنا هذا من سنن البداوة والحضارة تشترك في أن الناس يرجحونها على الدين الداعي إلى الحق في أول ما يعرض عليهم لخضوعهم للوثنية المادية.